وأنا اقرأ في سيرة حياة جبران خليل جبران توقفت بفكري قليلا عائدا إلى الوراء بالضبط إلى سنوات الدراسة الإعدادية والثانوية، في فترة الإعداد لامتحانات البكالوريا التي مرت علي صعبة بالجو المتخلف والسائد آنذاك المليء بالعقد وأساتذة البقشيش، الذين لايجيدون إلا الإبداع في الكآبة، ولا يمكن ان تناسبهم إلا مهنة البيع في سوق الحمير، والبعض منهم جزّاريين أوسماسرة الفائدة في الجبن البخيس..
عُدت الى تلك المساحات الخضراء الفسيحة وراء منزلنا الجديد الذي لم يكتمل بعد الى يوم كتابة هذه السطور، حيث كنت استيقظ باكرا لأحفظ بعض الدروس مُكرها في سياق إعادة البضاعة المحفوظة الى أصحابها منتشيا أول سجاراتي ومركزا في أوراق "تقرأ وتقرأ دون أن تفهم" أوراق تتضمن أساليب مبهمة وركيكة تقتل اللغة قبل أن تقتل ملكة التفكير بطريقة صياغتها، وأنا أمتعض و ألعن في كل أساتذة الحبر على الورق..أوراق لا يمكن إلا ان تقتل فيك كل ما هو إبداع وملكة فكر وإنتاج، أوراق تنبئك بمستقبلك المتلاشي والغامض أمامك، مستقبل يستقبلك بإستفزاز عندما تجدهم مصرِّين على غباءهم وفاكهين فيه ناعمين. خانقين أحلام الإبداع والحياة في هذا الوطن.
وأنت تنظر الى ملامحهم الجافة وهم يتبججون بربطات عنقهم التي توحي إليك من بعيد أنها لا تصلح "في حالتهم" إلاّ أن تكون حبلا لتخنق فيهم كل الغباء، ومعه كل عنجهيتهم عندما يتباهون بقدرتهم في إحقاق الحقيقة وإنجاح النجاح وهم الثُّقبُ أين يتسرب إحباط النفوس ومكمن الفشل!!
وأنت بينهم تجد نفسك مجبرا على الخضوع لعقوبتك النفسية صامتا ومُصغيا لأحاديثهم التّافهة في حصصهم الإجبارية، فيوسوس لك شيطان ضُعفك حيناً، أن تحاولَ مشاركتهم طقوس الغباء مجاملةً، فلا تستطيع..!!
كنت اُدخن أكثر من خمس سجائر. حيث كان التدخين بالنسبة لي متعة وليس عادة مستبدّة، متأملا في تلك المساحات الخضراء التي بدأت تنتابها الصفرة في إعلان بطيء عن بداية دخول فصل الصيف بحلته الصفراء وحرارة شمسه الساطعة.. أعوذُ بِنفسِ بَقايا الذّاكرة متأمّلا ومتسائلا في هذه اللحظات: لماذا يا ترى كان ينتابني حزن عميق متواصل طوال الوقت؟ وكلما توقفت في طريقي منتفضا، محاولا نفض غباره عن وجداني إلاّ وزادتني المحاولة غيضا بدون جدوى، وأن أعود متسائلا عن مصدره دون أن أجد جوابا شافيا في عقلي..وتبقى روحي ضائعة شريدة و كأنها تنتظر محطة الإقلاع لطائرة تأخذني نحو وجهي البعيد الذي إفتقدته، المتبسّم أمام نور الشمس كالصّنوبرالحلبي..هكذا أحببت، أو بالأحرى هكذا تمنّيت أن أراه.
عدت الى روحي مراجعا ومقتفيا أثر ذلك الحزن الشديد، فأحسَسَتْنِي روحي وذلك حوار النفوس ، بالإلهام والحدوس أن آخر أوراقه بعيدة التلاشي والسقوط. وكأني سجين بميعاد وأنتظر عتق روحي الى يومٍ بميعاد!!!
بقيت انا مؤمنا بالصمود وقلت منتفضا بهدوء الحكماء: من أنت يا حزني؟ أأنت في ضميري أم قلبي؟ أم أنت عقابي في دنيا الآثام أم أنت شيطاني وماردي الحقير؟
كانت روحي ترى كلّ ما حولي سخيفا بعقليات من الجحيم تعشش فيها العناكب وغبار من الخريف يخلق السعال ويخنق بهاء النفوس ويدنس رونقها العميق، تحس بالضياع الشديد عندما تجد نفسك ملزما بمحيط يضج بعقليات سطحية لا تصنع إبداعا ولا جمالا، وإنما تتنافس في صنع الضجيج وإنتاج النَّتانة وتملأ بها الدّنيا صراخا كما ملأ أرخميدس الدنيا صراخا عندما لاحظ أن منسوب المياه ارتفع عندما انغمس فيها، وخرج يصيح (أوريكا، أوريكا) أي وجدتها وجدتها، لأنه تحقق من أن هذا الإكتشاف سيحل معضلة التاج !!
والفرق هنا بسيط فصراخ أوريكا، وَجد وأَوجد لِدُنيا الإنسان شيئا، والصراخ الآخر أَوجدته مؤخرة الدّنيا حيث نتَانتُها لا تُطاق بعقلياتٍ يسودها كلّ الغبار.عقليات لا ترمي في محيط دنياها إلاّ ما ترمي مؤخراتهم كل يوم وكل صباح حيث سجن المحيط ، ودنيا تحيط بك حقارة ونَتَانة بعيدا عن طَرفِها الآخر حيث وجهها النّاضر، الجذّاب والممتع كتلك المرأة عندما تتمايل وتتذفق أنوثة من كل صوب ..
صراخ وصراخ..صراخ ولكن الفرق شاسع !
ما أصعب سجن النفس في مؤخرة الدّنيا حيث تترامى الهوامش..
وانت متمسك بقبس لا ينطفأ من طهارةِ نفسك، متطلعا الى وجه الحياة، تتأمل في الماضي البعيد والقريب، وتُكرِّر داخل أنفاسك نشيد الحياة هامسا في أعماقها: وما جُبِلتي يا روحي إلا لِتكوني طليقة كأُفقِ السّماء وبهاء الرّبيع. فلتذهب أعشاش العناكب المعشِّشة على غبار المومياءات الى قبور الظّلام. فالموت، موت البهاء، وموت في النفسِ صفاءُها، وكم من جُثّة تمشي على الأرض ضجيجاً وصراخا، وتملأ المحيط نَتَانةً. تنتج عفناً يفوح نتانة كل صباح وحتى في المساء عندما تسكن الحياة لباسها..
من لم يزد خيرا في الدّنيا كان زائدا عليها! ومن زاد فيها خبثا كان عليها غيضا وغائطاً..
نفوس قد يكون في نقصانها من الوجود خير للشجر والبشر وحتى الحجر..
-هوامش الدنيا من عالمنا الفسيح كقفص يَخنُق طهارةً من رونقِ طِيبِ النّفوس. وذلك وأدٌ لها وقبرُها في الحياة، وما قبرُ الموتِ كقبرِالحياة!
يا روح اِنسي ما قد مضى واِزهدي فيما سيأتي. فلِما الخوف من قبر الموتِ ومصيرُكِ في يد العدلِ المطلق. حيث تحيط ملائكة الرحمان عندما تفترشين العشب ليلا وتلتحفين الفضاء، وترتاحين في الأفق وأمامك نجوم السماء.
وفي اعماق بحار هذا التأمل يُخبِّرني حديث روحي ويتلاشى حزني كما تتلاشى أيام سِجني، وكأنّها معدودة.. كما شعرت لِبُرهة وانا أحتسي آخر قطراتِ كأسي، وما الحدُوسُ إلاّ منطقُ الأرواح وهمساتها!
للدنيا وجهان أحدهما ماخور كبير..
حيث يقول عنها شاعر الأسى وشاعر الحياة أبو القاسم الشابي :
مهما تضاحكت الحياة فإنني أبداً كئيب
أصغي لأوجاع الكآبة ، والكآبة لا تجيب
في مهجتي تتأوه البلوى ، ويعتلج النحيب
ويضج جبار الأسى ، وتجيش أمواج الكروب
إني أنا الروح الذي سيظل في الدنيا غريب
ويعيش مضطلعاً بأحزان الشبيبة والمشيب
الزمان: أنجز في 6 من يناير 2011
المكان: من داخل -حزني- الذي هو سجني
الموجود في سجني الآخر من وطني المسروق
سجن في سجن.. وما أكثر سجونك يا دنيا !!
حفظنا الله و إياكم من غياهب السجون
السّلام عليكم
"محمد بوعلام عصامي"
الذكريات صوت الامس وصدى اليوم ،موطن الالم لا يسكنه الا الاطياف والاشجان والدموع؟،عندما نشد الرحال الى ذلط الوطن تلتهب عواطفنا وتتاجج مشاعرنا ثم نبكي ،تمتزج الدمعة بالبسمة،قد تكون دمعة الم وقد تكون دمعة شوق وقد تكون دمعة حنين,
ردحذفمع الذكريات وفي الذكريات نضعف ،نحزن،نضطرب،نهاجر ،نبحث عن شيء ما نصرخ ،نهتف،نتالم نلامس الاطلال نقلب الصور نقابل الاطياف وكل شخص منا بداخله كتاب من الذكريات اوقات جميلة ،لحظات حزينة
ولكن موقفنا من هاته الذكريات تختلف فالبعض يتهرب منها،لا يحب ان يقلب صفاتحها فهي تؤلمه،والبعض الاخر يعيش على هاته الذكريات ينثرها بين الفينة والاخرى ،ويستمد منها قوته,ان الذكريات رغم مرارتها تعلمنا او تذكرنا بالكثير ممن كانوا في حياتنا بفرحها؟،وحزنها،وهي جزء من حياتنا السابقة والحالية والحاضرة ،ان كانت سيئة فنتعلم منها الا نعاودها ولا نقلب اوراقها التي تنبعث منها رائحة الضياع في يوم من الايام,
تحيات هناء السليماني
الماضي هو ذاك الزمن الذي ولى، والذي فيه كانت اول صرخة نصرحها، اول كلمة ننطق بها، اول ابتسامة نبتسمها، هو مزرعة جميلة مملوءة بالورود الرائعة رغم وجود بعض الازهار ذات الاشواك، التي عندما يسيل دم من ايدينا، ارجلنا واحيانا من قلوبنا يجعلنا ننتبه اكثر ونحذر منها رغم حبنا لها هي مزرعة او حديقة ذات شكلين كل وموقعه ففي أفئدتنا. إذا ما اجتبينا فقط الاشياء الجميلة ما احسسنا بروعة تلك الحديقة لان الجمال معنى خالد في باطن كل واحد منا ولابد من وجود شيئين متناقضين للاحساس بلذة كل واحد منهما، اذا فالماضي أمر مكمل للمستقبل بزهوره السوداء والبيضاء، ولامعنى لوجود احدهما دون الاخر
ردحذفأيام فاتت ولكنها تبقى في رصيد المعرفة ووتجارب الحياة لنعلم أبناء المستقبل نحو غد أفضل
ردحذف