أنا الراوي الذي يسير بين
الحقول يتجاوز الحفر وألغام الحقود..
______________________________________________________
ذهبت البارحة إلى ضيعة عائلية، أمشي على جانب الحقول حيث الخضرة تعمّ المكان في فصل الربيع، وإذ أنا أسير وجدت حفر قد حفرها أحدهم خفية وسط الحقل، حفرة عميقة تزيد عن متر ونصف، سألت ماهذا العُجاب وسط الحقل؟ والكلّّ لم يدر ما هذا العجاب..!!
تركتهم وعدت للحفرة العميقة وأخرجت قضيبي وتبوّلت فيها، وكأني أتبول على الساقطين وكل الأشرار والفاشلين الذين ليس لهم صنيع إلاّ أن يحفروا الحفر وفخاخ الحقد والضغينة والألغام ضد الآخرين..
تبوّلت وأنا أنتشي كما كنت أفعل أيّام الطفولة، وأنا أرفع الشعار عاليا حتى ارتوى خيالي وارتوت الحفرة.. وانتشيت كثيرا، وأنا أقول في نفسي تبّا للأشرار وكلّ من يحفر الحفر في صناعة الحقد في عقليات الثعابين والأشرار..
أسدلت ستار المسرحية، ومشيت على جانب الحقل أغني أنشودة الحرية بين البلابل والطيور، وسافرت بذاكرتي إلى الماضي إلى طفولتي الجميلة، حيث ذكريات السّنافر بين شرشبيل الشرير وإرادة الحياة، في إنهاء عنف وحقد الأشرار، ونشر محبة الخير والصّفاء.. وأنا أتذكر قولة الجدّات العتيدة من أيام الصّبا والصّفا: منْ حفرَ حُفرةً لأخيه يسقط فيها..
هكذا أيضا حدّثتني همسات الرّاكيا ونسيمُ الربيع... قبل أن أسدُل السّتار على رواية "الحفرة والبلبل السعيد" في مُقلة الشقيّ العتيد من ابتسامات الطفولة وأيام العيد..
فليحفروا وليحفروا سنطمر كلّ الحفر.. وإن شئنا زدنا وتبولنا على شرورها منتشين.. لأن الأغبياء لا تنتج غير الهمجية، والهمجية أحقر ما في الوجود، بالعقل بالقلب بالمحبة بالإرادة بالإصرار تطمر كل الحفر والفخاخ وما تتأبطه ألغامها من شرور، لأن الشرور حالة مرضية، لا مستقبل بعيد لها عبر الزمن اللامتناهي، الذي لن يصح في مكينته التجريبية إلا الصحيح ولن يبقى في قوانينه غير الصفاء، كذلك هي الحكاية في قرية السنافر، أما شرشبيل ومن معه في صناعة القيود والسّلب والاستلاب وما يحيكون إنما هو صيد في المياه العكرة.. ولكنهم لا يتعلمون!
هكذا أيضا حدّثتني همسات الرّاكيا ونسيمُ الربيع وعطر النعناع على حافة الوادي، ينسدل إلى الروح كعطر الكولونيا في شهر أبريل، حيث أزهرت كل الورود زاهية بألوانها المخملية والفاقعة تسر الناظرين وتتسرب كالياه العذبة إلى روحك كلها بهجة وسرور...
وأنتم يا معشر الهمج، لاتصنعون إلا الضجيج، ابقوا في صنيع الحفر وحُفركم، فقد تجاوزكم الزمن وقطار العصور، ابقو في عقلياتكم ساقطين، واحفروا يا أولاد القحبة ما تشاؤون من الحفر مثنى وعُشر... فلن تجدوا غير قضبيَ هذا ينتشي تبوّلا على رؤوسكم الشرشبيلية الحمقاء.. رؤوسُ النّهب والهمَج والعُنف والكراهية والحَسد، مليئة بالبغضاء هي قلوبكم، والسرقة والاحتيال والكذب والزور والإرهاب منوالكم.. رؤوس صناعة ثقافة السلاسل والكراهية والإحباط في ثقافة العبيد والاستعباد..
سأعيش محلقا كالصقر فوق القمة الشماء، فتبّـــا للأعداء وتبّا للأشرار وتبّا لكلّ الهمج..
صرخنا بملء أفواهنا صرخةَ الحرّية، لكي لا تقول أجيالُ الغد، باعنا الأباء بثمن بخس للنخاسة وأسواق العبودية!
وإن ثمن الحرية لباهض جدا، لأن الحرية تأتي مقابل ثمن، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بها ولهم استعداد لدفع هذا الثمن.. ربّما على الأقل التحرر من العبودية الفكرية والاستلاب ستكون مكافأتهم العُظمى التي لا تقدّر بثمن.
وصرخنا وسنصرخ بلواء الإنسانية والعدالة والحرية، باسم أمّنا الأرض، لكي لا تقول أجيال الغد أن آباءنا باعونا للقراصنة الذين سرقونا وتركنا في فوهة الذل.
صرخنا لكي لا تقول أجيال الغد باعنا آباؤنا عبيدا بلا ثمن، لسُفن التُجار بالبشر، وتركونا في حفرة عميقة.. حفرة بلا قرار..
صرخنا على الأقل كي نترك قبسا من شعلة الحرية ينير طريقا إلى الغد..
صرخنا لأننا ندرك أن طريق الحرية طريقه ليس كطريق تجارة الحرير من الماضي البعيد، ولا كطريق تجارة الذهب ولا بطريق تجارة العبيد.. إن طريق الحرية هو طريق الإنسان.
نصرخ وننادي ونحاول.. وسنبقى على هذا الدرب إلى أن نرحل وحلمنا أن تصبح أجيال الغد على وطن.. وطن حر يحترمها وطن حر يضمها، وطن حر يقدّرها، وطن حرّ هو بيتها، وطن حرّ يدافع عنها، وطن حر لا يكفر بإنسانيتها في حفرة تحت التراب...
_____________تأملات مدوّن
_____________ محمد بوعلام عصامي
_____________________________________________________
محاور رئيسية:
#حفر الأشرار #شرشبيل #الحرية
#نعم_إنها_الحقيقة_مون_كماراد
#I'am_an_agnostic #I'm_a_humanist #I'am_free
___________________________________________________________
تدوينات أخرى:
*تأملات في أغنية الخلاص لبوب مارلي (Redemption Song):
*تأملات في قصيدة انتظرها لمحمود درويش :